مقالات

المواطنة من وجهة نظر المختار عوض قنديل

الإعلانات

المواطنة كلمة قوية وجميلة تجعلك عزيزا وتحسسك بالانتماء لوطن تعشقه إن احتضنك وتفرِّط به بأرخص الأثمان إن باعك عند أول مفترق طرق أو قايضك وتنازل عنك مقابل حشوة كرش لصاحب قرار’ وقد يكون الوطن قطعة اسفنجية يمتص بها الحكام طاقات وغضب ومطالب شعوبهم ويلمِّعون بها أحذيتهم إن لزم الأمر.

المواطنة هي طوق النجاة الذي يتعلق به الحكام حين توشك الأوطان على الغرق وسيارة الإسعاف التي تنقلهم خارج البلاد حين يُقبض عليهم متلبسون في الفساد والسمسرة والخيانة.

المواطنة هي قِدر الحصى الذي يطبخ عليه الحكام عشاء الشعوب الأخير إلى أن يناموا نومة أهل الكهف بعد أن يطرحهم الجوع والمرض وهم ينتظرون الوعد الذي لا ينضج وما هو إلا صورة الوطن الجنة في مرآة الحكام الكاذبة.

المواطنة أصبحت تأشيرة دخول وتذكرة سفر وعدم الالتفات خلفك لأنك لن تجد ما يسرك ولا ما يُبقي على حبل المودة مع من تركت خلفك لأنك اعتقدت أنهم سبب شقاؤك’ المواطنة ذكريات سوداء وأحلام لم تتحقق ومزايدات ووعود كاذبة تنقلك من وهم إلى وهم ومن حلم إلى كابوس ولن تجد الراحة إلا في القبور أو النوم بينها إلى أن تجد قبرا تمليك بعد أن فلتت منك شقة الإيجار لعدم استطاعتك على الدفع.

بدأ ذبح المواطنة في قلب وعقل المواطن عندما تبلَّدت أحاسيسه في المطارات وفي العابر على الحدود بين بلاد العرب أوطاني، هذه الحدود التي صنعها الاستعمار ودافع عنها العرب بأرواحهم وبأغلى ما يملكون بعد أن فقدوا أبناءهم فداء لها حفاظا على الأمانة التي تركها المستعمر في أعناقهم.

المواطن العربي يُسقي أخيه العربي الذل في كؤوس أخذها غنيمة من مخلفات معسكرات جنود الاحتلال ليتقمَّص شخصيته ويحمل بندقيته ويلبس حذاءه ليدوس به على كرامة أخيه وابن جلدته دفاعا عن الوطن الوهم والاستقلال المزيف الذي وَقَّعَ وبَصَمَ قادته مع جنرالات الاحتلال ليوثقوا التبعية السرمدية للمستعمرات التي تركوها خلفهم بتعهدات من الباطن مع قادتها الجدد ومقاولات شراكة مع رأس المال الذي يدَّعي الوطنية.

حين يفيق المواطن كل صباح على النشيد الوطني الذي يتكرر أكثر من الفاتحة ويُسمَّع غيبا’ يبحث المواطن عن حقه بعد أن دفع الجزية والضريبة والرسوم والرشوة فيجد أن اسمه غير موجود في سجلات الدولة الرسمية مع أنه خدم العلم وحيَّا السارية كل صباح وأنشد ذاك النشيد الإلزامي المُمِل’ وبعد أن يخرج من المولد رافع اليدين مستسلما ليحصل على إخلاء الطرف والبراءة، تسوَد الدنيا في عينيه وتركبه الشياطين وتوسوس له بالهجرة ليجرب حظه في بلاد الآخرين.

ما الذي أفشل المواطن العربي في بلادة وأنجحه في بلاد الآخرين مع أنه هو نفسه لم يتغير ولم يختلف’ ما الذي أرخص الأوطان بعد أن كانت الأرواح تُدفع مهرا لها ويُدافع عنها دون انتظار الجائزة.

لماذا أصبح الوطن يُرمى كجورب مهترئ قذر ولا يُلتفت إليه؟

عندما يُحارب المواطن في قوت يومه ويتوكل على الله كما يتوكل الطير ولا يُرزق لأن رزقه مُنع أو صُودر تحت بند دفع ضريبة الوطن التي يستمتع بها الولاة وأولاد الأكرمين بحجج ومُسميات وبنود تبني عشرة أوطان في بلاد بعيدة ولا تبني وطنا من الدرجة الثالثة لا يستطيع الزحف إلى حفرة عشوائية يختبئ فيها من حُماته وظلم العاملين عليها من عقوق أبنائه وذوي القُربى الذين ركبوه وتبادلوا عليه على غفلة من أبنائه الغارقين في الفقر والجهل والمرض والأميَّة.

الإعلانات

كان المواطن العربي يحتقر الجنسيات الغربية إذا ما قورنت بجنسيته ليصبح الآن يلهث خلفها بِذِلَّة ويدفع التنازلات من كرامته لِيُمَنُّ عليها به كي يحتمي بها في وطنه ويتفاخر بعد أن يتنازل عن جنسيته الأم التي لا تحميه ولا تحترمه بل لا تحترم نفسها فكيف تحترم الآخرين!

كل الأمم والبلاد والأوطان ارتفعت وارتقت إلا نحن’ فبلادنا التي أغرت الاستعمار بكبرها وثرواتها وفوائدها الجَمَّة ولم يتركها إلَّا بالثورات والقتال والدم الغزير الذي روى أرضها لتنبت لنا الديكتاتوريات والعصابات وتجار الوطنية والشرف لتصغر في أيديهم التي إذا ما قورنت بعهد الاستعمار خسرت وكَسِبَ الاستعمار المقارنة.

بعد أن انتهكت الحريات و صودرت الأرزاق و سُلِبَت الممتلكات العامة و وُزِّعت غنائم على المُتنفذين من الحكام و الولاة ومشايخ الدين الذين يسندون الحاكم بفتوى و فتوى تسند الفتوى إلى أن اختلفنا في هلال رمضان لتصبح كل أيامنا شكٌّ و ريبة من كل ما هو حكومي و رسمي لتصبح الدسائس و التدخلات سيدة الموقف إلى أن أفتينا بالاستعانة بالكافر لمحاربة المسلم لتصبح سابقة قانونية و شرعية ليعيد التاريخ نفسه ونكون صورة طبق الأصل من دول ملوك الطوائف في الأندلس و لن نبكي ملكا كالنساء لأنه لن يُسمح لنا كما منع منا الشجب و الاستنكار لندفع الجزية و الإتاوة و الخاوة بعد أن كنا نأخذ الجزية و نُغيث فقراء المسلمين و أهل الذمة و نزوجهم و ننثر القمح على الجبال كي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين.

عندما تتحول القدوة والنموذج إلى كذبة سوداء بعد أن تتكدس الشهادات والمؤهلات التي غرَّ ذاك النموذج وتلك الكلمات والوعود بمستقبل مشرق يبني قصورا في زنازين الاحتلال للحرية المُرتقبة لنجد خيبة الأمل عندما نصطدم بالواقع المر الخشن، والسؤال بإجابته الأكثر مرارة وخيبة، هل من أجل هذه الحياة وهذه النتيجة سهرنا ليالي الشتاء الحزين بعتمته وبردة القارص وأضعنا أعمارنا وأموالنا وجهودنا التي نثروها في وجوهنا كالعمل الرديء؟

كيف قلبتم المعايير ليصبح الوطن غصة في القلب وذكرى سيئة في تعرجات الدماغ لننظر خلف الحدود ليكون الخلاص بالرضوخ تحت أقدام الخصوم الذين كسبوا الرهان بأننا سنسقط من دواخلنا قبل أن نسقط تحت أقدامهم مستغيثين من ظلم ذوي القربى.
كيف أصبح الوطن لعنة على أبنائه وكأنهم لقطاء وحمولة زائدة على ظهره يلقيهم
في الساحة الخلفية واحدا تلو الآخر كلما نفد عطاؤهم كما يريد أصحاب القرار ويذبحون وهم أحياء على عتبات المؤسسات الحكومية كلما طالبوا بحقوقهم الشرعية التي لا خلاف عليها عند العقلاء والمتنورين حين تكون المواطنة أخذ وعطاء وحماية ورعاية ودفاع عن الحق العام.

لا تلوموا المواطن إن أدار ظهره للوطن وفرَّ بجلده عندما يكون الانتماء للوطن لعنة والعيش فيه نقمة والفرار منه نعمة!
لمصلحة من يتحوَّل الشاب المهاجر من وطنه الذي لم يسعه ولم يستوعبه ويلفظه كبصقة مُرَّار’ إلى سفير شؤم وتشويه ونموذج حقد يسيء لوطنه بدل أن يرفع شأنه وسمعته’ لا يفتخر به بل يخجل من وجود أحداثه في ذاكرته عندما يقارن ما كان وما هو كائن خارج حدود هذا الوطن العاق حسب مخرجات من سوء معاملة وثقافة كراهية صُبَّت في عقله لتطويعه وتدجينه وتطبيعه ليكون ترسا في آله تخدم عقد النقص في مخزون حاكم مُتخم بالفوقية والسادية والغرور.

إن لم يرفع الانسان شقف احترامه وكرامته وأمنه في وطن يستظل به ويحميه فستستيقظون يوما بعد أن يطبق سقف ظلمكم على أنفاسكم وسيف المظلومين على الرقاب وعيونكم تلاحق خوفا حبل مشنقة يتأرجح أمامها كبندول ساعة جدارية قد تصلبون تحتها ويطلق عليكم كمُّ من اللعنات وسيل من الأحذية!!

الإعلانات
السابق
الحرب العالمية الأولى فى الذكرى مازالت التبعية مستمره بقلم عوض قنديل
التالي
ابنة تشرشل قاتلت في الحرب العالمية الثانية وأمه سرقت ميراثه

اترك تعليقاً