مقالات

ويسألونك عن سايكس بيكو بقلم المختار : عوض قنديل

الإعلانات

سايكس بيكو، لندخل في الموضوع مباشرة، إن تقسيم سايكس بيكو كان جغرافياً صريحا ويُستدل عليه من الخطوط المستقيمة في ترسيم الحدود بين الدول العربية، وهي صنيعة الاستعمار إلا أننا ندافع عنها وكأنها من الذكر الحكيم، وليس اعتباطا تجزئة الأقليات والقوميات والطوائف بين الدول، فالأكراد الأكثر عددا وزِّعوا على أربع دول ولن يقوم لهم كيان موحد، ونحن في حضرة التقسيم والتجزئة كي لا تقوم دولة عرقية قومية قوية تتحكم بثروة نفطية وثروة زراعية وحيوانية، حفاظا على تركيا إلا إذا أرادت أمريكا وحلفاؤها ضرب تركيا حليفتهم وشريكتهم في حلف الأطلسي إن خرجت عن الولاء والطاعة أو قلقلة إيران كما فعلت بها مع العراق في نهاية السبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، وإمارات الخليج العربي مثالا حيَّا على التجزئة والكيانات الضعيفة بقلة سكانها و ضعف إمكانياتها رغم ثروتها النفطية.

و هناك الدروز الذين قسموا على 3 دول إذا استثنينا إسرائيل، والأمازيغ والعرب السنة والعرب الشيعة، أما الجزيرة العربية التي تعج بالطائفية التي زادت بالحوثيين.

اللعب على الوتر مع مصر

أما مصر، فهي التي عليها العين ويلعبون معها بالأقباط مرة ولا يستطيعون لأنها ما زالت متماسكة بجيشها القوي، ويبقى ملف سيناء هو الحلقة الأضعف بديلا لإلهاء الجيش بخلق القلاقل أو بالانفصال التام إن كفرت مصر باتفاقية كامب ديفيد، بإنشاء كيان يوالي إسرائيل يكون حائلا بينها و بين جيش مصر ويكون أيضا حلا سهلا للانفجار السكاني الفلسطيني، إما بالجذب و الإغراءات أو بالترحيل القسري في ظل حرب إبادة.

و على الجانب الآخر في شمال فلسطين قد يكون نموذجا آخرا بإنشاء دولة درزية من جنوب لبنان وجنوب سوريا، تشكل هلالا طائفيا حول الجولان في الحدود الشمالية لإسرائيل ليكون كيانا بلوريا هشا يتفتت تلقائيا مع مرور أول دورية عسكرية إسرائيلية، ويبقى جبل الشيخ برج المراقبة الذي يجلس فيه حارس السجن الذي يحرق المنطقة بكبسة زر، وتكون إسرائيل قد كسبت درعاً في الشمال وفي الجنوب يحول بينها و بين العمق الاستراتيجي للمحيط المعادي حولها، و ليست دولة لبنان الحر بقيادة سعد حداد و انطوان لحد من بعده ببعيدة عنا، والتي كانت درعها ضد المقاومة في جنوب لبنان و مخلبها التي اشتركت به في مذابح صبرا و شاتيلا، هي التي بدأتها وهي التي أنهتها بمجرد الانسحاب من الجنوب.

ومن جانب آخر نرى محطات الاستشعار للحد والتنبيه للقوة في المنطقة العربية، وأول هذه المحطات هي إسرائيل لبلبلة منطقة الشرق الأوسط خاصة المنطقة العربية و تقسيم الوطن العربي إلى جزئين منفصلين ما دامت إسرائيل على الخريطة، وفي شمال الوطن العربي نجد لواء الإسكندرونة التي اقتطعته فرنسا من سوريا وطنه الأم لتهديه لتركيا ليظل جرس إنذار في خط دفاعٍ ناء في مؤخرة القارة العجوز.

أما في رأس الخليج نجد منطقة الأحواز إمارة خزعل العربية التي تعرف بعرب ستان التي تركتها بريطانيا لإيران لتضيِّق على العراق في منفذه البحري على الخليج، ولا ننسَ الجزر الإماراتية في الخليج في سبعينيات القرن الماضي جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي ابتلعتها إيران في ليلة مقمرة.

و إذا نزلنا إلى إفريقيا سنجد مملكة زنجبار التي ضمتها تنجانيقا لتخرج تنزانيا إلى الوجود سنة 1964م، بعد أن ارتوى جوليوس نيريري بالدم العربي في مملكة زنجبار العربية التي كانت تتبع حاكم عُمان و لم يُحرَّك العرب ساكنا، لأن جمال عبد الناصر كان يُشكل مجموعة عدم الانحياز والاتحاد العربي الإفريقي في باندونج ودار السلام في تلك السنوات ولم يُرِد أن يخسر شخصية محورية في شرق إفريقيا كشخصية نيريري، وأخيرا طلع علينا انفصال جنوب السودان التي كانت أصابع إسرائيل تلعب فيه بأريحية كاملة وليس لدى العرب إلا الشجب والاستنكار.

وفي شمال غرب الوطن العربي نجد المدينتين المغربيتين سبتة ومليليه، وهما مدينتان إلا أنهما إسبانيتان على أرض المغرب، وكذلك جزر الكناري وكذلك الصحراء الغربية التي تعرف بأرض البوليساريو التي انسحبت منها إسبانيا لتتركها محل خلاف وقتال إلى يومنا هذا، وما هذه المناطق إلا محطات إنذار تؤمِّن الحدود الأوروبية من تلك الجهة إن شكلت تلك البلاد قوة واستردتها وهذا يُعجِّل بإسقاطها في قاع بئر النزاعات المحلية مرة ثانية .

الإعلانات

لا نريد أن نذكر هيمنة إسرائيل على البحر الأحمر سواء في خليج العقبة باتفاقيات كامب ديفيد أو باحتلالها للجزيرة اليمنية في باب المندب، بعد حرب أكتوبر وتدعيمها باستئجار جزر إرتيرية إضافة إلى تحريضها دول حوض النيل ضد مصر على حصتها من المياه وما سد النهضة الأثيوبي ببعيد.

وكما يقول المؤرخون بأن عمر الدول الافتراضي لا يزيد عن مائة عام إن لم يأتِ لها من يجددها و يبعث فيها الحياة، وها قد وصلنا لنهاية عمر اتفاقيات سايكس بيكو التي جاء موعد تجديدها بعد فشلنا الذريع في إلغائها، وقد جاء الأوان لإعادة تقسيم المُقسَّم إلى دول قومية ودينية طائفية لتخرج علينا كيانات هزيلة، تستمد وجودها وتحافظ على بقائها من الدعم الخارجي المشروط الذي لا يثنينا عن التنازل والتفريط بجزء من الوطن للحفاظ على كرسي العرش، وما تبقى من وطن و تصبح التبعية بطولة والعمالة إنجاز بعد أن خلقنا لأنفسنا بطولات وانتصارات وأمجاد في مجالات اللهو بأطول عمارة وأكبر صحن وأعلى سارية بعد أن تحوَّل كتاب جينيس للأرقام القياسية هو ساحة النزال، وميدان الانتصارات وأصبحت الفنادق خنادقنا.

ضعنا بين التحالفات والتكتلات حين بدأنا بمجلس التعاون الخليجي ثم الاتحاد المغاربي و الاتحاد المشارقي، بعد أن تبعنا لا أريكم إلا ما أرى وما أريكم إلا سبيل الرشاد.

كل الناس لها أوطان تعيش فيها إلا نحن لنا وطن يعيش فينا، ومن شدة حب هذه الأوطان أصبحت الهجرة هي الهدف الأسمى للشباب، بل أيضا لمن أكل عليهم الدهر بعد أن أصبحت الأوطان حصرية على بطانات معيَّنة و فئات من بائعي النفس والهوى وعُبَّاد الفتن إلى أن أصبحت بلادنا سداح مداح لكل أهل الأرض إلا نحن ولا نُذكر إلا عند دفع ضريبة الدم.

و ها نحن في حال لا نحسد عليه بعد أن أصبحنا كملوك الطوائف نقاتل بعضنا البعض ونستعين بالكافر كما يقولون لينطبق علينا مقولة أم أبي عبد الله الصغير ملك غرناطة عندما قالت: ابكِ ملكا كالنساء لم تدافع عنه كالرجال.

الإعلانات
السابق
نتيجة مباراة ريال مدريد وجريميو في كأس العالم للأندية ريال مدريد بطل العالم
التالي
قرار ترامب وصمة عار لأمريكا وإسرائيل… خلال ندوة علمية بتجمع عائلات فلسطين

اترك تعليقاً